ما هو العشاء الرباني؟ و ما هي دلالته؟
جاء
في كتاب “أصول الإيمان” أن العشاء الرباني سر يدل على موت المسيح بإعطاء
خبز وخمر وقبولهما حسبما رسم سيدنا له المجد. والقابلون باستحقاق يتناولون
جسده ودمه حسب فوائده, لا تتناول جسمياً أو جسدياً , بل روحياً بالإيمان.
وذلك لقوتهم الروحي ونموهم في النعمة (أصول الإيمان ص 96). وجاء في
الإنجيل المقدس: “وفيما هم يأكلون، أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى
التلاميذ, وقال خذوا كلوا هذا هو جسدي الذي يبذل عنكم, اصنعوا هذا لذكري.
وكذلك الكأس أيضاً, قائلا: هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يسفك
عنكم”(الإنجيل بحسب لوقا 22 : 19 , 20)
وقال الرسول بولس: “لأنني تسلمت من الرب ما قد سلمتكم أيضاً, أن الرب يسوع
في الليلة التي أسلم فيها خذ خبزا وشكر, فكسر وبارك وقال: خذوا كلوا هذا
هو جسدي المكسور لأجلكم, اصنعوا هذا لذكري. كذلك الكأس أيضاً بعدما تعشوا,
قائلاً: هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي, اصنعوا هذا كلما شربتم لذكري.
فإنكم كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب, إلى أن
يجيء. إذا أن من كل من أكل هذا الخبز أو شرب كأس الرب بدون استحقاق يكون
مجرماً في جسد الرب ودمه. ولكن ليمتحن الإنسان نفسه وهكذا يأكل من الخبز
ويشرب من الكأس. لأن الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق, يأكل ويشرب دينونة
لنفسه غير مميز جسد الرب”. (الرسالة الأولى إلى كورنثوس 11: 23 - 30).
فهذه الآيات تعلمنا صريحاً: أولاً أن العشاء الرباني فرض إلهي يجب ممارسته على الدوام.
ثانياً: أن العناصر التي تتمثل فيه, هي الخبز والخمر. ثالثاً: أن الأمور
المهمة في خدمته ثلاثة: تكريس الخبز والخمر ,كسر الخبز، وصب الخمر
وتوزيعها, وقبول المشتركين إياهما.
معنى العشاء الرباني:
إن المقصود في هذا السر هو:
1 - تذكار موت المسيح.
2 - التعبير عن اشتراكنا بالإيمان في جسد المسيح ودمه على منوال ظاهر.
3 - الإعلان عن اتحاد المؤمنين بالمسيح, وبعضهم ببعض في حياة واحدة روحية.
4 - التصريح علانية بقبولنا العهد الجديد, المثبت بدم المسيح.
الأسماء المتنوعة لهذا السر:
1 - عشاء الرب, أو العشاء الرباني. وسمي بهذا الاسم لأن الرب يسوع وضعه عند العشاء (كورنثوس الأولى 11: 25)
2- كأس البركة (كورنثوس الأولى 1: 16) وسمي هكذا لأن الرب يسوع بارك الكأس كما بارك الخبز أيضاً (الإنجيل بحسب متى 26: 26)
3 - مائدة الرب وكأس الرب (كورنثوس الأولى 10 : 21) والمراد بالمائدة هنا الطعام الموضوع عليها مجازاً.
4 - شركة جسد المسيح ودمه (كورنثوس الأولى 10 : 16) وذلك لأنه بواسطة الخبز والخمر يشترك المؤمن في جسد المسيح ودمه.
وللعشاء الرباني بالنسبة للمسيحيين أكثر من معنى فهو:
أولاً : عهد بين المسيح والمؤمن به في كل جيل وعصر. إنه عهد المحبة العجيبة الغنية بالصفح والغفران, الذي كتب بدم المسيح على الصليب.
ثانياً: شركة مستمرة بين المؤمنين المفديين ككنيسة, وبين المسيح, الذي هو
رأس الكنيسة ومخلص الجسد. وقد وصف الرسول بولس هذه الناحية بقوله: “كأس
البركة التي نباركها, أليست هي شركة دم المسيح? الخبز الذي نكسره, أليس هو
شركة جسد المسيح؟”(كورنثوس الأولى 10 , 16). بمعنى أن العشاء يتحول بقوة
هذا العهد إلى رابطة حية تربط التلاميذ بعضهم ببعض بالمسيح, فكلما نتناول
هذا العشاء نذكر هذه الشركة العظيمة المباركة.
ولا ريب في أن المسيح طبع هذا السر بطابع خاص مميز, فقد خصص بالذات الشيء
الأهم في المسيحية ليكون أساس هذه الشركة أعني بهذا الفداء العظيم, حين
بذل جسده وأراق دمه من أجلنا.
ثالثاً: شكر, لأن المسيح عندما أخذ العنصرين باركهما, وشكر لأجل تدبير
الله العجيب للخلاص, ولأجل محبته التي لا يعبر عنها, والتي سارت به إلى
الصليب, حيث قدم نفسه ذبيحة إثم لفداء الملايين في كل جيل وعصر (الإنجيل
بحسب لوقا 22: 14-22).
رابعاً: تذكار، لأن المسيح قال: “اصنعوا هذا لذكري”, بيد أننا يجب أن نذكر
أن هذه الذكرى ليست مجرد ذكرى تاريخية لحادثة الصليب. وإنما هي تذكار حي,
يبدو فيه الصليب اختباراً متجدداً في حياة المؤمن كل يوم, وفقا لقول
الرسول بولس: “مع المسيح صلبت, فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ. فما
أحياه الآن في الجسد, إنما أحياه في الإيمان, إيمان ابن الله, الذي أحبني
وأسلم نفسه لأجلي”(رسالة غلاطية 2:20).
خامساً: شهادة مستمرة للمصلوب, لأن المشتركين في العشاء, يقرون بإيمانهم
بالمسيح المصلوب, ويجددون معه الولاء. واعترافاً منهم بفضله, يخبرون بموته
إلى أن يجيء (كورنثوس الأولى 11: 26).
سادساً: تقدمة, لأنه يشير إلى عطية الله التي لا يعبر عنها. وقد درج
المسيحيون على أن يقرنوا ممارستهم السر بالمزيد من العطايا والتقدمات,
عرفانا بالجميل, وإجلالاً لعطية الله المباركة في يسوع المسيح, الذي صار
لهم من الله حكمة وبراً وفداء.
القصد من العشاء الرباني:
جاء
في إقرار الإيمان الوستمنستري, أن الرب يسوع في الليلة التي أسلم فيها وضع
سر جسده ودمه, وسمّاه العشاء الرباني لكي يمارَس في كنيسته إلى منتهى
العالم, لأجل ذكر تقديمه نفسه بموته, ذكراً دائماً, ولختم كل فوائد ذلك
للمؤمنين الحقيقيين ولغذائهم الروحي ونموهم فيه, ولتجديد التزاماتهم بجميع
الواجبات التي له عليهم. وليكون رابطاً وعربوناً لشركتهم معه, وشركة بعضهم
مع بعض, باعتبار كونهم أعضاء جسده السري (فصل 29:1). وفي هذه العبارات
غايات مهمة في عشاء الرب:
1 - التذكار: لأنه يذكرنا بموت المسيح كفارة
عنا, الذي هو جوهر الدين المسيحي. فهو إعلان صريح من كنيسة المسيح بموت
المسيح الكفاري. وهو دلالة واضحة على أن نظام العهد القديم قد بدل بنظام
العهد الجديد, أي الفصح تحول إلى العشاء الرباني بأمر المسيح وسلطانه. فما
دام هذا السر في الكنيسة لا يمكن أن تنسى الكنيسة ولا العالم الذي تشهد
فيه, أن الرب يسوع أخذ وظيفة حمل الله لكي يرفع خطية العالم.
2 - الإقرار: فالمشتركون بالعشاء الرباني يقرون بإيمانهم بالمسيح مصلوباً,
وباتكالهم عليه لنيل خلاصهم, وبقبولهم إياه سيداً وفادياً, ورباً ومخلصاً.
وبأنهم تلاميذه, وعليهم أن يجددوا عهد الولاء له, وأن ينذروا نذر الأمانة
لذاته الإلهية, لكأنهم بممارسة هذا السر يفرزون أنفسهم عن العالم, ليصيروا
كلياً للمسيح (كورنثوس الأولى 10: 21).
3 - البنيان: فهذا السر يرسم للمسيحي أعظم حقائق إيمانه, ويحوك عواطفه
ويزكى محبته للمسيح, ويقوي إيمانه ويذكّره بواجباته المتنوعة لربه
ولكنيسته وللعالم. وينمي فيه الفضائل المسيحية, ولا سيما المحبة الأخوية
فخمد روح الخصام والنفور بين المشتركين في جسد الرب ودمه. وخصوصا لأن
ممارسته ينبغي أن تقترن بتجديد العهود للمسيح ولكنيسته, فيتحرك قلب المؤمن
تحركاً جديداً في التقوى كل ما حضر مائدة الرب.
4- الاتحاد الأخوي: فإنه يجمع الكنيسة كأهل بيت واحد, أهل إيمان واحد برب
واحد. وكلما اجتمع الإخوة للاشتراك فيه تسمع كلمة الله وهي تذكرهم بأن
المسيح لا يستحي أن يدعوا أياً منهم أخاً. فلا فروق اجتماعية بينهم, بل أن
كل واحد يحقق لإخوته أنه أخ في الرب ومرتبط بهم بربط حياة واحدة مشتركة في
المسيح. حتى أن كل أخ في أثناء ذلك الاجتماع, وعند القيام منه, يقدر أن
ينظر إلى وجه كل من اشترك معه في عشاء الرب, ويتحقق أنه من محبيه, لأن كل
المؤمنين هم أهل بيت الله.
5 -الإشارة إلى مائدة المستقبل: فهو يوجه أنظار المؤمنين المجتمعين حول
مائدة الرب إلى الاجتماع العتيد في السماء حول عشاء عرس الخروف. فهو وليمة
تمثل وليمة المجد التي سيعدها المسيح لمختاريه في ملكوت السموات, وفقا
لقوله: “وأنا أجعل لكم ملكوتاً كما جعل لي أبي ملكوتاً, لتأكلوا وتشربوا
على مائدتي في ملكوتي” (الإنجيل بحسب لوقا 22:92 - 30).
العشاء الرباني واستحقاق تناوله:
اتضح
مما تقدم أن هذا السر العظيم قد رسم فقط لأجل المؤمنين, الذين ولدوا من
الله والذين يعرفون المسيح والإنجيل معرفة كافية, ويصدقون ما أعلنه الله
بشأن ابنه, ويعتقدون أن المسيح مات لأجل خطاياهم.
ويشترط في المؤمنين أن يكونوا مجهزين للعشاء الرباني ومستعدين لممارسته.
وقد جاء في الكلمة الرسولية, إنه يطلب من الذين يريدون الاشتراك باستحقاق
في العشاء الرباني أن يمتحنوا أنفسهم لتمييز جسد الرب, وإيمانهم، للإقتيات
بالمسيح روحياً, وأن يجددوا توبتهم ومحبتهم وطاعتهم.
وخلاصة ما يتطلبه السر العظيم هو:
1 - التجديد والإيمان الحي، لأن ذلك الطعام الروحي ليس للأموات بل للأحياء.
2- العماد, لأن المعمودية علامة ظاهرة للدخول في الكنيسة (أعمال 2: 38 و41 وأعمال 10 : 47 - 48 , أعمال 22 : 16).
3 - الاشتراك جهاراً في عضوية الكنيسة, لأنه لما كانت كنيسة المسيح بيتاً
واحداً, وجب أن يكون المتقدم إلى مناولة عشاء الرب من أهل ذلك البيت. وهي
أيضاً جمهور من المؤمنين تحت نظام مقرر حسب الإنجيل, فينبغي أن تسبق
العضوية في الكنيسة الاشتراك في فرائض تلك الكنيسة.
4 - السلوك التقوي, الذي يطرح كل فساد في الآداب, وكل اعتقاد مخالف
لتعاليم الكتب المقدسة, وكل سيرة تعيب الديانة المسيحية, وكل ما يضاد
إرادة الرب (الرسالة الأولى إلى كورنثوس 5:9 و11 , الرسالة الثانية إلى
تسالونيكي 3: 6).
مــــــــــــــــــــــــنــــــــــــــــــــــــ ــــقول